19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. سعاد البشر تسلط الضوء على المنهج الأخلاقي في تربية الأبناء ( 1- 2)

28 يناير 2012

* التربية الإسلامية القائمة على الإيمان بالله وأداء العبادات تنمي لدى الأبناء الأخلاق الفاضلة وملكة المراقبة الذاتية والخوف من الله تعالى

* زرع القيم الإسلامية يكون عن طريق التربية الصالحة والاحتواء الأبوي الحاني من خلال منهج تربوي متكامل

* الطفل لا يتأثر بالقول فقط بل يتأثر بسلوك مربيه والمنهج التربوي الإسلامي يشدد على ضرورة ارتباط القول بالفعل

* للتربية الأسرية في حياة الطفل الدور الأكبر والأهم في إكسابه المثل العليا والمعايير الأخلاقية وإثراء صحته النفسية

* تعويد الأبناء قيم العدل والصدق والبعد عن الضغائن والأحقاد ينتج أبناء أسوياء وايجابيين

تربية الأبناء على مكارم الأخلاق وقيم الإسلام وفضائل الأعمال مسؤولية عظيمة حث عليها الإسلام، ولعظم الأخلاق في حياتنا ومكانتها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وتتحمل مؤسسات المجتمع وخاصة الأسرة مسؤولية إنتاج جيل نافع لدينه ووطنه، متسلح بقيم الاستقامة، متين الخلق، سليم العقيدة صحيح العبادة، قادر على الكسب، نافع لغيره، منظم في شؤونه، ولم تعد التربية في عصرنا الحديث مسألة عشوائية أو ارتجالية، وإنما أصبحت تعتمد على مناهج ونظريات وفنون علمية، وضعها متخصصون واستشاريون وأكاديميون.

وفي هذا السياق، وضعت أستاذة علم النفس في كلية التربية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي د.سعاد البشر دراسة قيمة تحت عنوان" دور الآباء في غرس القيم الايجابية لدى الأبناء" دعت خلالها الآباء إلى تربية أبنائهم على منظومة من القيم الأخلاقية المتوازنة، من أبرز ملامحها قوة في الدين، وحزم في لين، وحرص على العلم، وقناعة في فقر، وإعطاء في حق، وبر في إشفاق، وفقه في يقين، وكسب في حلال، مشددة على أنه إذا تمكنت التربية الإسلامية القائمة على الإيمان بالله وأداء العبادات والفرائض من قلوب الأبناء ونفوسهم ، فإنها ستنمي لديهم الأخلاق الفاضلة وملكة المراقبة الذاتية، والخوف من الله تعالى.

زرع القيم الإسلامية

وحول غرس القيم السلوكية والاجتماعية لدى الأبناء "كمهارات حياتية"، أكدت د.البشر أن زرع القيم الإسلامية الإنسانية الاجتماعية في نفوس الأبناء عن طريق التربية الصالحة، والاحتواء الأبوي الحاني، من خلال منهج تربوي متكامل، وأيام محددة خلال الأسبوع الدراسي يلتقي فيها الطلبة خارج ساعات الدوام المدرسي لممارسة القيم المطلوبة عمليا عبر وجود النموذج والقدوة، والتركيز على تنشيط دور المسرح المدرسي في إعداد قصص عن حياة الصحابة وتجسيد أدوارهم لتنمية المهارات المطلوبة عمليا وتمثيليا.

واعتبرت الدكتورة البشر القيم الإسلامية بمثابة الشعاع المنير لعقول البشر، والموجه نحو طريق الحق، والهادي لأسلوب التعامل البشري الراقي يحتاجها الكبار والصغار لتأسيس مبادئ حاكمة لحياتنا وقواعد تعاملاتنا، وهي بلا شك كنز ثمين يغذي علاقاتنا ويربط بيننا بالحب والخير، مشيرة إلى أن لكل منهج تربوي قيما يسعى إلى ترسيخها في نفوس المتربين، لتكون معيارا لتقييم السلوك وتقويمه، سيما أن القيم أوسع وأشمل من البعد الخلقي لأنها تشمل أبعادا أخرى قد تكون اجتماعية أو نفسية أوعلمية أوثقافية أو غيرها من الأبعاد التي تلون سلوك الإنسان.

وتشبه أستاذة علم النفس عملية غرس القيم بعملية الزراعة تماما، فالزراعة المثمرة كما تقول تتأثر بنوع البذرة (نوع القيمة) والأرض الخصبة (الفرد حامل القيمة) والموسم المناسب لنوع البذرة (السن المناسبة) ومهارة الفلاح (قدرة المربي) وجودة الأساليب الزراعية (مناسبة الأساليب التربوية للحال) واستخدام آلات زراعية حديثة (وسائل غرس القيم)، مؤكدة أن الأرض الخصبة إن لم تزرع وان لم يتوافر لها ما ذكر أتتها الرياح اللواقح فتثمر نباتا مجهولا، متناثرا يظل في الأرض يأكل خيرها (خصوبتها) أو تأكله البهائم أو ييبس فتذروه الرياح، وكذلك الابن في مقتبل عمره إن لم يجد مربيا حصيفا وقيما سامية وأساليب تربوية ووسائل مناسبة في الوقت المناسب تنازعته الأهواء وقتلة الفراغ.

النموذج والقدوة

وعن أهم الطرق التي يستطيع الطفل من خلالها استيعاب القيم، وتشربها بحيث تغدو مظهرا وجوهرا من لبنات سلوكه الحياتي، تناولت الدكتورة البشر: مثال (النموذج أو القدوة) واستدلت على ذلك بقول الله عز وجل في كتابه الكريم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وهذا خطاب شامل للإنسانية جمعاء، لافتة إلى أن الوالدين هما قدوة الطفل وهما منبع القيم لديه لقول رسول الله "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه او ينصرانه" ومن الضروري أن يكون النموذج الذي يقتدي به الطفل نموذجا صالحا يعبر عن تلك القيم، ليس باللسان فقط او بالدعوة إليها، بل يجب أن تتمثل تلك القيم في سلوك الوالدين أو الذين يقتدي بهم الطفل من أولياء أمره ومعلميه.

المربي الأسوة

وأوضحت الدراسة أن الطفل لا يتأثر بالقول فقط، بل يتأثر بسلوك مربيه، وقد نبه المنهج التربوي الإسلامي إلى هذا الفصل بين القول والفعل بالنسبة للقدوة كما في قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون - البقرة ٤٤ )، فالذي يتصدى لأن يكون نموذجا في المجتمع سواء على مستوى النموذج العقيدي أو على مستوى النموذج الأسري، فعليه أن يطابق بين قوله وفعله، وإلا سيعكس مظهرا من مظاهر النفاق التي تدعو الآخرين إلى نبذه وعدم إتباعه، وفي هذا الصدد أشار الإمام جعفر الصادق "بروا آباءكم يبركم أبناؤكم"، ومن استطاع أن يستحضر سلوكا حسنا في حياته اليومية، فإنه يقدم بذلك النموذج والقدوة الحسنة لأطفاله، لاستيعاب ذلك السلوك ولامتصاص تلك القيم حتى وان غفل عن الدعوة إليها أو الحث عليها.

وأضافت د.البشر إن قدرا كبيرا من سلوك الأطفال يكتسب عبر ملاحظة النموذج أو القدوة، وما يؤيد ذلك سلسلة التجارب والبحوث التي دارت حول السلوك العدواني لدى الأطفال، حيث تبين أن السلوك العدواني يظهر لدى الأطفال الذين يقترف كلا الوالدين أو احدهما سلوكا عدوانيا أمام الطفل، فيقوم الطفل بتقليد تلك الاستجابات العدوانية مع الآخرين، وقد يشاهد الطفل نموذجا لشخصية عدوانية في التلفزيون فيقوم بتقليده أيضا، وبالعكس إذا شاهد الطفل نموذجا متسامحا محبا فيقلد سلوك الحب والتسامح، على أن تحظى تلك الشخصية بملاحظة الطفل وعلى تقبلها واستيعابها كنموذج أو قدوة.

و يكتسب الطفل – كما تقول الدراسة - الكثير من القيم والسلوكيات المعبرة عن تلك القيم من خلال التقليد، والتقليد آلية مهمة في نمو الطفل ونضجه، فعن طريق تقليد الحركات الصحيحة يتعلم الطفل المشي ويكتسب المهارات اللغوية والمعارف والسلوكيات الاجتماعية المقبولة، وسلوكيات النمط الجنسي الذي ينتمي إليه والعادات الصحية السليمة وغيرها.

كما يمارس الطفل تقليد أفعال الآخرين منذ الأشهر الأولى، معتمدا في البدء على الملاحظة المباشرة للفعل، ثم يتطور لديه التقليد من خلال احتفاظه بصورة ذهنية للفعل يسترجعها في وقت لاحق، فنرى الطفل وقد بدأ في محاولات تقليد حركات الآخرين، أو وضعيات جلوسهم في أفعال لا تخلو من الطرافة، فالطفل حينما ينجح في تقليد فعل ما فإنه يشعر بمتعة كبيرة ويصبح هذا الفعل من سلوكياته الدائمة التي يستطيع استخدامها متى شاء، ولا شك في أن كل مهارة يكتسبها الطفل تمكنه من التكيف السليم مع المجتمع المحيط به.

الثواب والعقاب

وتتناول الدراسة قضية الثواب والعقاب فتؤكد د.البشر أن هذا المنهج يستخدم لترسيخ القيم أو إحلال قيم جديدة محل قيم أخرى غير مرغوب فيها على نطاق واسع من قبل الآباء والمربين فيكافئ الوالدان طفلهما حينما يقوم بالسلوك المرغوب فيه كأداء الأمانة او التعاون مع الأصدقاء أو المشاركة في بعض الأعمال المنزلية، وقد يلجأ الآباء إلى معاقبته إذا لم يفعل ذلك.

وترى نظريات التعلم وعلى الخصوص النظريات السلوكية أن الثواب والعقاب لا يقتصر أثرهما على الاستجابات المعززة أو المعاقبة عليها فحسب، بل إن أثرها يشمل الشخصية ككل، فتتكون السمات العامة والاتجاهات والقيم، وهنا يؤكد المنهج التربوي الإسلامي ضرورة التوازن بين الثواب والعقاب في تربية الطفل، وحتمية الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط.

وتنصح الدراسة الوالدين أن يوازنا بين حجم المكافأة والسلوك المرغوب حتى لا تتحول المكافأة إلى غاية يسعى إليها الطفل من دون الالتفات إلى سلامة السلوك المقبول، وان يقدرا تماما موضع المكافأة فلا يغرقا الطفل بالمكافآت فلا يستطيع أن يعي ان كان من طبيعة والديه إغراقه بالمكافآت أم أن المكافأة هي نتيجة لسلوكه سلوكا صحيحا، مع ضرورة أن يتم شرح معنى ذلك السلوك المرغوب، فالطفل الذي يكافئ على سلوك التعاون مع أصدقائه يجب إفهامه أن ذلك السلوك هو سلوك صحيح، وان الواجب يحتم عليه عمله ليجازى ليس بمكافأة مثل قطعة حلوى، بل إن المكافأة الحقيقية لذلك السلوك هي اكتساب محبة الآخرين واحترامهم ودوام رفقتهم، والطفل حينما يقوم بسلوك ما فإنه يكتسب صفته، فالطفل الذي يتعاون مع أصدقائه سيسمى متعاونا والطفل الذي يؤدي الأمانة سيعرف بالأمين، والطفل الذي لا يكذب سيدعى بالصادق.

كما يعتبر المنهج التربوي الإسلامي العقوبة العاطفية من الأساليب المؤثرة والفاعلة تغيير السلوك الخاطئ للطفل سواء عبر التأنيب والزجر، ولا شك أن للتربية الأسرية في حياة الطفل الدور الأكبر والأهم في إكسابه المثل العليا، والمعايير الأخلاقية، وفي إثراء صحته النفسية، لذلك ينبغي التأكيد على سيادة القيم الرفيعة في أوساط الأسرة، ولكي تنجح في تحقيق ذلك ينبغي على الكبار أن يقدموا القدوة الصالحة لأطفالهم.

ورعاية الآباء لأبنائهم تجعلهم يحسون بمتعة شديدة لأن وجود الأب وسط أولاده يهيئ لهم بيئة دافئة وعاطفية، ومن شأنه أيضا أن يدعم مفهوم المشاركة من اجل إضفاء مناخ صحي وسليم في العلاقات بين أفراد الأسرة جميعا، وفي مثل هذا المناخ سيكون للأب دوره الفعال والمؤثر في مساعدة أبنائه على تحقيق أهداف التنشئة السليمة، وهي تنمية ما لديهم من إمكانيات ذهنية ووجدانية إلى أقصى حد ممكن.

كما ينبغي على الأسرة وهي تهم بتربية الطفل، ان تعمل على تثقيف وجدانه، بأن تجعله دائم النظر الى كل ما يحيط به من جمال في الطبيعة، وهذا هو دور الآباء في ترسيخ المبادئ القيمة والأسس الفعالة التي تساعد الطفل على بناء شخصية متكاملة في المستقبل، فالآباء دورهم مهم للغاية في حياة الأبناء في التربية وفي إكساب العادات الطيبة وترسيخ القيم.

وتدعو الدراسة الآباء إلى تعويد أبنائهم تبني مواقف العدل والعدالة في جميع أعمالهم ومواقعهم منذ الطفولة لأنهم سيكونون رجال الغد وآباء المستقبل، والعدل من صفات الله فهو العادل، وبالعدل يمكن القضاء على الأحقاد والضغائن والفساد، هذا وعلى الآباء أن يعدلوا بين أبنائهم ويرسخوا في نفوسهم الحب فيما بينهم من خلال العدل بين أبنائهم، فضلا عن تعويدهم منذ نعومة أظفارهم على الصدق، وذلك من خلال صدق الوالدين الذين يمثلون القدوة، وزرع الصدق في سلوكهم منذ الطفولة المبكرة لأن من شب على شيء شاب عليه.

هذا كان الجزء الأول من عرض هذا البحث القيم " دور الآباء في غرس القيم الايجابية لدى الأبناء" الذي تناول أهمية التربية الأخلاقية ودورها في التنشئة الصحيحة للأبناء، بغرس القيم الإسلامية من خلال التربية بالقدوة والسلوك، وفي الجزء الثاني تتناول الدراسة صفات المربي الناجح المتمثلة في الحكمة والعلم والأمانة والصدق والحزم والحب.

وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للدكتورة / سعاد البشر، لما تفضلت به علينا من علمها الوفير راجين المولى تبارك وتعالى لها دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت